– جمالية الفلكلور الأدراري بين التاريخ والإبداع :
الفلكلور هو الفنون والمعتقدات وأنماط السلوك الجماعية التي يعبر بها الشعب عن نفسه ، سواء استخدمت الكلمة أو الحركة، أو الاشارة، أو الايقاع، أو الخط، أو اللون أو تشكيل المادة ، فالفلكلور يمثل حياة الشعوب المادية والروحية ، الذي يعكس الصورة التاريخية والتراثية لها من خلال ما تتصف به تراثيا وشعبيا ، تتداولُه الاجيال وتتوارثه( )،
ومن بين الفلكلور المتواجد في أدرار:
-دراني:
أدخل الأفارقة الزنوج عدة تقاليد إفريقية إلى مجتمع توات، ومنها رقصة قرقابو أو العبيد ؛ التي تميزت بها منطقة توات وهي ترقص في معظم المناسبات مثل الوعدات أو الزّيارات و في الأعراس و الاحتفال بالمولد النبوي الشريف. و قد أخذ هذا النوع من الإيقاعات تسميته من آلته الموسيقية التي تسمى قرقابو وتؤديه طائفة العبيد، تحمل رقصة قرقابو في شكلها النغمي و الأدائي طابعا إفريقيا ، يبنى الإيقاع في أدائه على ترديد مقطوعات شعرية خفيفة تتقاطع مع قرقبة أدوات حديدية، وفي بعض الأحيان تكون النغمات مؤدّات بلغتها الأصلية في السودان الغربي مثل: الهاوسة والزرمة( ). ويسمى الإيقاع في منطقة تديكلت باسم (داراني).
– رقصة البارود: تؤدى في إطار جماعي منظم تسمى بـ (إيقاع البارود) وتستخدم فيه البنادق المعروفة محليا بـ (المكحلة) ويكون الرقص في شكل دوراني حلقي و يتوسط الحلقة مجموع العازفين على الطبول و المزامير، و تبدأ رقصة البارود في العادة بترديد بيت الحلقة المعروف بالصيغة بمرات عديدة ودون إيقاع، وبعد حفظه من قبل كافة أعضاء الحلقة يشرع في ضرب الطبول الممزوج بنغم الزّمار؛ ليعطي إيقاعا نغميا يتماشى و حركة الراقصين داخل الفرقة، و بإشارة من قائد الفرقة ينتقل الإيقاع إلى أخف من سابقه، لتنتهي الرقصة بإطلاق البارود جماعيا في شكل صوت واحد ( ) ، وتذكر الروايات التاريخية أن رقصة البارود في الاصل كانت ترقص على ظهور الأحصنة إحتفالا بالنصر في المعارك التي كانت تحدث بين القبائل قديما، ومع تقادم الزمن أصبحت ترقص من دون أحصنة، وتنتشر رقصة البارود في كامل إقليم توات تقريبا سواء بتديكلت أو توات الوسطى أو تيجورارين ؛ لكن مايميز منطقة تيجوراراين أن إيقاع البارود أكثر خفة من باقي مناطق الإقليم .
– أهلّيل: هو طابع فلكلوري قوراري ، إيقاعي ، موسيقي يتم في شكل حلقة دائرية جماعية يتوسطها قائد الجماعة الذي يدعى في المنطقة ب “ابشنيو”، الذي يردد أبيات شعرية وحركات خاصة ليردد الآخرون من ورائه في شكل حوار متناسق عجيب؛ فهذا النوع من الفلكلور محتكر على إقليم قورارة دون غيرها من الأقاليم وبالأخص عند قبائل الزناتة، لأنه منظوم بلغتهم الزناتية . وقد كثر الجدل حول أصل التسمية ، فهناك من يرى أن الاسم مشتق من عبارة أهل الليل كونه يقام بعد غروب الشمس، وهناك من يرجع المصطلح إلى التهليل أي قول لا اله إلا الله ، لان جل قصائده عبارة عن أذكار وتسابيح ومدح للنبي صلى الله عليه وسلم( ).
وأهليل هو تراث شفهي ، نابع من معتقدات الناس وحاجاتهم، إذ يتناول موضوعين أساسيين، الأول وهو الدين، كون أن الإسلام هو دين المنطقة ، واستُخدم أهليل كأداة لتيسير وإيصال تعاليم الدين للأهالي في طابع موسيقي جذاب، وهو ما نلاحظه في قصائده من تصوف وتسبيح وذكر لأسماء الله الحسني والأماكن المقدسة، وتقدير للأولياء الصالحين وكراماتهم. أما الموضوع الثاني، فهو الغزل والحب، والتغني بصفات المحبوب، كما أن أهليل أو التهليل ظهر إلى الوجود منذ ما يقرب من ثماني قرون، وهو ينطوي على قصائد
شعرية، بعضها من نظم مولاي عبد الحي مثل قصيدة (سيدي العزيز يا مولانا) والبعض الأخر من تأليف الشاعرتين (لالامريم) و(لالاديما) وهما بنتا سيدي موسى والمسعود الذي كان يعيش بين تيميمون وشروين وهو مدفون في قصر تسفاوت جنوب مدينة تيميمون. ( )
– الطبل : يعتمد الطبل على قصايد عديدة لها أغرض متنوعة منها قصائد دينية خاصة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ويكون بها عادة الابتداء والاختتام وكذلك توجد قصائد الفخر والحنين وحب الوطن ، وتكثر فيه قصائد الغزل ، وقد اشتهر في المنطقة شعراء فطاحل يعتبرون أعمدة هذا الفن وهم :
– بلخضر (1897- 1976م) واسمه ميدوني قويدر بن لخضر المدعو بن طريبة ، من ورقلة ناحية المخادمة وتنتشر قصائده باقروت، وتيميمون، وآولف، ورقان وعنده عدة أغراض أكثرها الغزل، والغزوات والحنين كما كان بلخضر مجاهدا ضد الاحتلال الفرنسي بأشعاره وماله .
يقول في الغزل:
رحلوا بالعين يالخو غاشي لجواد رفدو قبل الدماس عراو نزالو
ياناس رحيل فاطمة غاب خيالو
يقول في الحنين:
ياسايل كان تسال لا تسولني مني هاني يحسن خاطر اللي خاطروا مشوق ماليه سوال
يابنت سيدي لحباب باعدوني والمرس طوال
وفي غرض مدح الرسول صلى الله عليه وسلم:
سقدوني ياناس الخير بالتبات كي توفى محمد صاحب القبول
ياسيادي ماعناه موتو وفات لا تبقى لو في الدنيا شي هموم
ياسيادي ماعناه موت الرسول(ص)
– الشلالي : هو محمد بن احمد الشلالي من قصر الشلالة ولاية تيارت ، كان رحمه الله تاجرا يتردد على منطقة توات مع تجارة القوافل في بداية القرن 19م . فاحتك بسكان توات وأكثر عشرتهم فاستفادوا من غزارة شعره وحفظوا معظم أشعاره ، وتذكر الروايات التاريخية أن الشلالي كان ينزل بقصر بوزان عند صديق له اسمه محمد عبد الله ويعرف ب(محابدالله). وكان ينزل أيضا بقصر آدغا عند محمد عبد القادر العبّوني . وفي وقتنا الحاضر يتصدر الحاج عبد الرحمن الخلفي المهداوي المعتنين والمغنين للشلالي في توات الوسطى . تتميز قصائد الشلالي بالرصانة ومتانة الألفاظ وكثرة الكنايات والاستعارات ، وقد انشد قصائد في معظم الأغراض أكثرها الغزل.
– الغزل:
النجع اللي دا رفيقة ميمونة رحل خلا الا المرسم ياحسراه
يبكي طول السنين ما ضني ننساه
ويقول أيضا:
الشاكر مايواتي شي الا من والا لوكان فاطمة واتاها هاد القول
لاصبت باعداني لاها مرسول( )
ويرجع الفضل في خفّة الطبل بمنطقة آ ولف وتميزه عن باقي أقاليم توات؛ إلى الحاج بلبالي محمد قدور ، والسي عبد الله بلبالي ؛ بحيث أصبح للطبل في آولف لحنا خفيفا ينتهي بما يسمى بالمرجوع، وهي الفترة التي يسترجع فيها المغني أنفاسه، وتُعتبر كذلك استراحة قصيرة يحضر فيها المغني نفسه للانطلاق في قصيدة جديدة بعد انتهاء المرجوع الذي يؤدى عادة بالقصبة وهي الأصل لأنها رفيقة الراعي عبر الزمن وملاذ الأنس في فلاة الصحراء ، أما آلة الزمار فدخلت حديثا ولم تكن ملازمة للطبل ، مع أنها كانت تؤدى منفصلة عنه كفن آخر يدخل ضمن(لمحارزية)، و(الهداوية)، و(النوبة) وغيرها . كما يشهد هذا الفن اهتماما كبيرا من طرف الشباب وهذا مايبشر باستمراره وعدم أفوله ، كونه يعتبر موروثا حضاريا ومعلما تاريخيا تليدا يميز المنطقة ومرافقا لها في أفراحها ومراسيم بهجتها. ومن أشعار السي عبد الله رحمه الله :
مرسولي لو تغدى الى ضريف لبسام عاطب راني ساهر والنوم خطاني
ولـــــــــــفي راني نهـــــــديـــــــك خــــبري واش بيـــه خـــــبرك مـــــــاجــــــــاني
من المــــــــــــــحنة أنــــــــــــا يــــــــــــــــــــــزاني
ويعتبر كذلك مبارك جلول اعريبي أحد أبرز رواد مدرسة عين بلبال في الطبل وله عدة قصائد نذكر منها :
ياسعد من مجاور خدة طول سنين وفـــــــراقها عـــــــــليا شغبــــــة
خدة ملين تضحك سنيها ضاويين نعت لحليب وجبن ولبا
مسكين مهاجلا والعزبة( )
بقلم: حامد لمين ابراهيم.
أدرار دايلي نناقش الأفكار ونتابع الأحداث